
رسالة خاصة إلى سمو الأمير محمد بن سلمان

ثابت عيد
21 يونيو 2017
عزيزي سموّ الأمير محمّد بن سلمان، حفظه اللّهُ،
بعدَ السّلامِ
من ضمنِ رسائلي إليكم رسالتي الّتي بعثتها إليكم من فندق (لوس مونيتيروس) في ماربيا، في مطلع يناير هذا العام، ذكرتُ لكم فيها أنّي أتوقّع أن تكونوا قائدًا لهذه الأمّة. والآن قد تمّ تنصيبكم وليًّا للعهد.
أوّلًا مبروك على هذا الحدث.
وثانيًا بودّي أن أبعث إليكم ببعض الملاحظات الهامشيّة، باعتباري منتميًا إلى أمّة الإسلام والعرب، وفي الوقت نفسه أعيشُ بعيدًا عن العالم العربيّ، في سويسرا، وسط أوروبّا:
١- أدعو سموّكم دعوة أخويّة صادقة إلى اتّخاذ الإجراءات اللّازمة لإنهاء الأزمة مع قطر فورًا. قرار بوقف الحملات الإعلاميّة ضدّ قطر، سوف يزيد من شعبيّتكم، ويضاعف من احترام النّاس لكم.
٢- قطر دولة عربيّة شقيقة، لا يجوز مهاجمتها هكذا بهذه الصّورة المتوحّشة. ويؤلمني بالطّبع أنّ يعلّق بعض الغربيّين على هذه الحملة بقولهم أنّ من يقف وراءها هم حكامًا مراهقين. لا أريد ولا أقبل أن يهاجمنا الغربيّين، ويتّهموننا بأنّ حكّامنا من المراهقين عديمي الخبرة.
لهذا السّبب أدعوكم إلى التّحلّي بالحكمة، والتّعالي عمّا يمكن أن يكون قد بدر من قطر وأساء إليكم. الرّحمة يا سموّ الأمير صفة أساسىّة من صفات المؤمن.
٣- أناشدُ سموّ الأمير محمّد بن سلمان إعادة التّفكير في كلّ سياسات المملكة، تحاشيًا للإقدام على أيّ خطوة أو قرار، قد تكون له آثار سلبيّة على السّعوديّة، وعلى سمعة العرب والمسلمين في الغرب بالذّات.
٤- السّياسة الدّوليّة لا تختلف كثيرًا عن لعبة الشّطرنج، تتطلّب ذكاءً وتفكيرًا وحذاقة وبراعة، حتّى ينتصر المرءُ على خصمه. والإجراءات الّتي اتّخذتها المملكة ضدّ قطر، يمكن أن تؤدّى إلى نتائج سلبيّة جدًّا على المنطقة العربيّة برمّتها:
إذ ماذا ستفعل السّعوديّة، إذا تحالفت إيران مع قطر؟ وماذا ستفعل السّعوديّة إذا ثبّتت أمريكا وجودها في قطر؟ وماذا ستفعل السّعوديّة إذا جاء رئيس أمريكيّ جديد فضّل التّعامل مع قطر على التّحالف مع السّعوديّة؟ وماذا ستفعل السّعوديّة إذا تمكّنت قطر من تكوين تحالفات جديدة؟
سموّ الأمير الشّابّ، الحكيم هو من يراجع نفسه، ويصحّح أخطاءه. والإنسان خطّاء. لا يوجد إنسان بلا خطأ.
٥- بالطّبع مازلتُ أتذكّر أوّل رسالة بعثتها إليكم بالبريد الدّوليّ السّريع من سويسرا قبل نحو سنتين. أعتقد أنّني عبّرتُ في ذلك الوقت عن وجهة نظري بضرورة التّحاور مع إيران، لأنّ الحروب، يا سموّ الأمير، بشعة، لا منتصر فيها.
٦- في اعتقادي أنّ السّعوديّة لديها تحدّيات أخرى كثيرة غير قطر وإيران. السّعوديّة ينبغي أن تركّز بنسبة ٣٠٠٪ على التّنمية، والتّحديث، واللّحاق بحضارة العصر. والحكمة هنا تتطلّب الحرص على عدم اختلاق قضايا جانبيّة، أو السّماح بتشتيت الْجهود في أيّ شيء آخر، إلّا الإصلاح. وبقليل من الحكمة يمكن توظيف الشّقيقة قطر، و(العدوة) إيران، أيضًا من أجل تنفيذ الخطط الإصلاحيّة في السّعوديّة.
٧- سموّ الأمير الشّابّ، أنا أكتب إليكم من سويسرا، وأرى ما قد لا ترونه، كما أنّكم قد ترون من السّعوديّة ما قد لا أراه من سويسرا. وما أراه من سويسرا هو ضرورة تحديد العدوّ الحقيقيّ لنا. فكما قال رسولنا الكريم بأنّ هناك جهادًا أصغر وجهادًا أكبر، وأنّ الجهاد الأكبر هو الجهاد ضدّ النّفس الأمّارة بالسّوء، فكذلك ينبغي أن ندرك أنّ عدونا ليس في الخارج، بل في الدّاخل: عدوّنا هو الجهل، والتّخلّف، والمرض. عدونا هو الفهم الخاطئ للدّين. عدوّنا هو التّخلّف عن العصر وحضارة العصر وروح العصر وعلوم العصر وتكنولوجيّة العصر. أمّا قطر، فهي دولة شقيقة، يمكن تصفية جميع مشاكل السّعوديّة معها في جلسة واحدة. وقطر بالمناسبة، يا سموّ الأمير، لديها من المميزات والسّياسات ما يؤهّلها للتّعاون مع السّعوديّة أكثر من أيّ دولة أخرى.
٨- ماذا لو تفضّل سموّ الأمير الفاضل مراجعة ما حدث خلال الأسابيع الماضية، ويقرّر، باعتباره حاكمًا حكيمًا، إنهاء حصار قطر، وفتح صفحة جديدة معها؟ خطوة كهذه يمكن أن تجعل الأمير محمّد بن سلمان هو (أمير القلوب) لدى ملايين من شعوبنا العربيّة.
وبعد ذلك يمكن تأسيس تحالف قطريّ-سعوديّ تقدّم قطر للسّعوديّة من خلاله خبراتها المحترمة في مجال الاستثمار الخارجيّ. إنّ قطر، شئنا أم أبينا، قد سبقت جميع الدّول العربيّة في مجال الاستثمار الخارجيّ. ولعلّ ظروفها السّياسيّة، باعتبارها دولة صغيرة، ساعدتها كثيرًا في سرعة اتّخاذ قراراتها، وتحاشي البيروقراطيّة القاتلة في الدّول الأخرى. الشّعب السّعوديّ يا سموّ الأمير لا يريد حربًا مع إخوانه وأشقائه، وأولاد أعمامه في قطر، بل يريد قطف ثمار الإصلاح، وينتظر منكم خطوات عمليّة لرفع مستوى معيشته. أيّ سياسة لا تصبّ في مصلحة المواطن السّعوديّ-العربيّ-المسلم هي سياسة غير مجدية.
٩- في يناير هذا العام كتبتُ لكم عن مجالات الاستثمار في قطاع السّياحة في الأندلس. بالطّبع هذا قطاع أو مجال من قطاعات أو مجالات كثيرة، يمكن أن تفتح للسّعوديّة آفاقًا عظيمة للتّواجد على السّاحة الدّوليّة. يا سموّ الأمير، هذه الموضوعات أهمّ وأخطر وأعظم من أن ننساق جميعًا وراء حرب غير مجدية مع قطر وغير قطر. الجهود يا سموّ الأمير الشّابّ ينبغي توجيهها إلى النّافع، والمفيد، والمجدي، وليس إلى الشّقاق، والانقسام، والشّتم، واللّعن، وسبّ أعراض النّاس.
١٠- لا يسعدني أنْ أسمع نقد الغربيّين لنا، ولكم، بأنّ السّعوديّة يحكمها مراهقون. أريد ونريد - نحن العربَ والمسلمينَ - أن نثبت للعالم أنّ الأمير محمّد بن سلمان أنضج، وأعقل، وأحكم، ممّا يتصوّرون. فهم يتّهمون سموّكم بإقحام السّعوديّة في حرب غير مجدية مع اليمن، ثمّ في إشعال خلافات مدّمرة مع قطر. لا نريد أن نسمح للخواجات بتوجيه مثل هذا النّقد المؤلم لحكّامنا.
١١- الحكمة تقتضي أن نطوّر (رؤية ٢٠٣٠) وندعو قطر، وتركيا، وحتّى إيران، وجميع دول العالم إلى المشاركة في تنفيذ أهداف هذه الرّؤية. العبقريّة هنا هي أن نتعلّم من الآخرين، ونستفيد منهم، ونُفيدهم، ونكون مثلما قال رسولنا الكريم: (خير النّاس أنفعهم للنّاس).
١٢- (الإخوان المسلمون) أيضًا ليسوا أعداء. أنا شخصيّا لديّ تحفظّات كثيرة عليهم، يمكنّكم الاطّلاع عليها في دراستي (تأمّلات في الأخونة والبردعة)، لكنّهم إخوة في الدّين، واللّغة، والوطن. وواجبنا أن نصحّح لكم أخطاءهم، وليس شتمهم، ولعنهم، وإقصاءهم.
١٣- اقتراحي الخاصّ بدخول السّعوديّة قطاع الاستثمار السّياحيّ في الخارج عمومًا، وأسبانيا والأندلس خصوصًا، يمكن تنفيذه قريبًا بالتّعاون مع قطر، وهو مشروع جميل، يا سموّ الأمير، يمكن أن يوفّر خمسة ملايين فرصة عمل للشّباب السّعوديّ الجميل خلال السّنوات الخمسة القادمة، لأنّه سيعتمد على بعث آلاف من الطّلبة السّعوديّين للدّراسة في أحسن مدارس فندقة في العالم، ليعودوا إلى السّعوديّة ويحدثوا ثورة في قطاع السّياحة. هذا بالإضافة إلى إمكانيّة الاستحواذ على أجمل فنادق في العالم، وإدارتها، ورفع العلم السّعوديّ فوقها عاليًا.
١٤- قبل سنتين لفت نظركم إلى أهمّيّة تأسيس صناعة عسكريّة سعوديّة. وقد سمعتُ أنّكم تحرصون على توطين هذه الصّناعات في السّعوديّة. هذا جميل. لكن بودّي أن ألفت نظركم أنّ الصّناعة تحتاج إلى علم. ونحن ليس لدينا علم الآنَ. والصّناعة تحتاج إلى بحث علميّ، وهو غير موجود الآن عندنا. وسنبقى هكذا، حتّى يتمّ الارتقاء بمستوى جامعاتنا ومستوى مراكز الأبحاث عندنا. فما حقّقه الغربيّون خلال القرنين الماضيين قد نحتاج إلى عشرين أو ثلاثين سنة حتّى نفهمه، ونهضمه، وندركه، ونتقنه، ونستطيع الاستفادة منه. لكن قبل ذلك مستحيل أن ندّعي أنّ لدينا صناعة. وذلك مادام الخواجات يأتونا إلينا بالماكينات، ومادمنا نحن لا نعرف كيف تعمل هذه الماكينات، وكيف تمّ تصنيعها، وكيف يمكن صيانتها.
١٥- التّصريحات الّتي تناقلتها وسائل الإعلام العالميّة مؤخرًا عن خطط السّعوديّة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ينبغي تحاشي القيل والقال بخصوصها. المشكلة بسيطة: إسرائيل، بصرف النّظر عن يهوديّتها، هي دولة استعماريّة. السّلام معها ينبغي أن يكون بشرط إعادة الأرض لأصحابها. وبعد ذلك يمكن السّعي إلى محاورتهم لتجاوز الأحقاد، والخلافات، والمطاعن، والكراهيات. وتجدر الإشارة إلى أنّ اليهود هم أكثر أصحاب الأديان السّماويّة علمانيّة. صحيح أنّهم ينتمون إلى الدّين اليهوديّ، لكنّ غالبيّتهم من العلمانيّين. وأعرف في ماربيا يهودًا يأكلون لحم الخنزير، ولا يبالون بقدسيّة يوم السّبت، بل ولا يصرّحون أنّهم من اليهود !! وهذا سيُسهّل التّعامل معهم. وبالمناسبة تستطيعون قراءة وجهة نظري، ووجهة نظر كبير علماء اللّاهوت السّويسريّين هانس كينج في مسألة السّلام بين العرب واليهود في دراستي عن (مشروع هانس كينج لإصلاح الأديان). وقد نوّهتُ في هذه الدّراسة إلى فيلسوف اليهود ابن ميمون الّذي كان يؤكّد على المشتركات بين اليهود والمسلمين خاصّة في مسألة التّوحيد، وكان لا يكفّ عن سبّ المسيحيّين واتّهامهم بالشّرك والتّثليث!!
١٦- سلسلة مقالاتي عن (الإصلاحات السّعوديّة) الّتي ينشرها (موقع مصر العربيّة) أريد مواصلة كتابتها، ولن أستطيع أن أفعل ذلك، بدون أن أرى خطوات بنّاءة، وعمليّة، وبراجماتيّة، وإيجابيّة، من سموّ الأمير الشّاب محمّد بن سلمان، لإنهاء مقاطعة قطر، وفتح صفحة جديدة معها، لأنّي لا أحبّ أن أرى العرب متفرّقين هكذا. هذا لا يليق بأمّة الإسلام.